دوره محوريّ في القضايا المسيحيّة والوطنيّة... الرئيس عون أمام تحدّيات هائلة

عون يترأّس اجتماعًا يضمّ وزير الداخليّة وقادة الأجهزة الأمنيّة لمتابعة التطوّرات الراهنة عون يترأّس اجتماعًا يضمّ وزير الداخليّة وقادة الأجهزة الأمنيّة لمتابعة التطوّرات الراهنة | مصدر الصورة: رئاسة الجمهورية اللبنانية

بعد أشهر على تولّيه منصب رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة، يُواجه جوزاف عون قضايا مصيريّة تتعلّق بمستقبل البلاد واستقرارها. وفي قلب التحدّيات الوطنيّة، يبرز خصوصًا ملفّ الوجود المسيحيّ.

يؤكّد انتخاب عون رسوخ الموقع المسيحيّ الأوّل في لبنان والمنطقة. فهذا الانتخاب يعكس قوّة المسيحيّين وشرعيّتهم وتجذّرهم في لبنان ودورهم المحوريّ في الحياة السياسيّة. ويُعتبر انتخابه تأكيدًا لاستعادة المسيحيّين مركزهم السياسيّ الأوّل في العالم العربيّ والإسلاميّ.

ونال الرئيس الجديد خصوصًا دعم البطريرك المارونيّ الكاردينال بشارة بطرس الراعي وتأييدًا نيابيًّا مسيحيًّا كبيرًا، وهو ما يُمثّل شرعيّة مسيحيّة ووطنيّة فائقة الأهمّية. فهذا الدعم يعكس الثقة الكبيرة التي يضعها المسيحيّون في رئيسهم الجديد، بعد فراغ استمرَّ أكثر من عامَين جَعَلهُم توّاقين إلى طيّ صفحة التهميش وغياب تمثيلهم في هذا المنصب.

الرئيس اللبنانيّ هو الرئيس المسيحيّ المارونيّ الوحيد في الشرق الأوسط، وهذا يعكس أهمّية الدور الذي يؤدّيه المسيحيّون في لبنان والمنطقة. ويُتوقّع أن يعمل الرئيس الجديد على تعزيز هذا الدور عبر إعلاء صوت المسيحيّين والاستجابة لمطالبهم الوطنيّة المُحقّة وتحقيق التوازن بين مختلف الطوائف في البلاد.

المطلوب من الرئيس الجديد ليس سهلًا، والتحدّيات على طاولته كثيرة، في الملفّات الوطنيّة عمومًا والملفّ المسيحيّ خصوصًا. فقد جاء انتخابه في وقتٍ حرج تمرّ فيه البلاد بأزمات متعدّدة تفاقمت حدّتُها بعد الحرب الأخيرة بين إسرائيل و«حزب الله».

انطلاقًا من هذا الواقع، يجب على عون العمل على تدعيم الصفّ المسيحيّ ومصالحة القوى المسيحيّة، لأنّ لبنان لا يمكنه النهوض من دون وحدة أبنائه. وبلوغ هذه الأهداف يتطلّب تعاونًا وثيقًا بين مختلف الأطياف السياسيّة والطائفيّة في البلاد وتحقيق الإصلاحات اللازمة لضمان مستقبل أفضل للبنان وشعبه.

رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة جوزاف عون. مصدر الصورة: رئاسة الجمهورية اللبنانية
رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة جوزاف عون. مصدر الصورة: رئاسة الجمهورية اللبنانية

الأمن والهجرة والاقتصاد

الأمن هو إحدى القضايا الرئيسة التي تُواجه لبنان، خصوصًا في ظلّ التوتّرات الإقليميّة والصراعات الداخليّة. وعون شخصيّة قويّة في المجال الأمنيّ، إذ قادَ الجيش اللبناني في فترة شديدة الصعوبة شهدت تحدّيات كثيرة، ومن المتوقّع أن يُواصِل من موقعه الجديد تعزيز قدرات الجيش والعمل على تحقيق الاستقرار الأمني في البلاد.

في خطاب القسم الذي تلى أداءه اليمين الدستوريّة في مقرّ البرلمان، شدّد عون الذي يحظى بدعم واسع من المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة والسعوديّة، على أنّه سيعمل على أن يكون حقّ حمل السلاح محصورًا بيَد الدولة. كذلك، يُتوقّع أن يواصل العمل على تعزيز التعاون مع القوى الدوليّة والإقليميّة لضمان أمن لبنان وحماية حدوده من التهديدات الخارجيّة، خصوصًا في ظلّ التغييرات غير المسبوقة التي تشهدها سوريا المجاورة.

وتُمثّل الهجرة أيضًا تحدّيًا لعون. فقد شهد لبنان موجات هجرة كبيرة في السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد اندلاع الحرب الأهليّة السوريّة وتفاقم الأوضاع الاقتصاديّة. وزرعت الحرب الأخيرة بين إسرائيل و«حزب الله» بذور الخوف في نفوس اللبنانيّين وبات كثيرون منهم يفكّرون جدّيًّا في الهجرة. لذا، يُتوقّع أن يؤدّي الرئيس الجديد دورًا حاسمًا في معالجة هذا الملفّ عبر تعزيز الاستقرار الأمني والاقتصادي، ما قد يُسهم في كبح معدّلات هجرة اللبنانيّين. كذلك، يُتوقّع أن يعمل على تحسين الظروف المعيشيّة للمسيحيّين في لبنان، لتشجيعهم على البقاء في وطنهم بدلًا من البحث عن فرص أفضل في الخارج.

ولا يُمكن وسط كلّ هذه التحدّيات إغفال مسألة الفدراليّة التي باتت من القضايا المثيرة للجدل في لبنان، إذ يرى البعض أنها قد تكون حلًّا للأزمات السياسيّة والطائفيّة التي تعصف بالبلاد. ويُرتقب أن يؤدّي الرئيس الجديد دورًا محوريًّا في هذا الإطار، من خلال العمل على تعزيز الحوار الوطني بين مختلف الأطياف السياسيّة والطائفيّة. وقد يسعى عون إلى الدفع باتّجاه تحقيق توافق وطنيّ حول تصوُّرٍ لنظام يمكن أن يضمن حقوق الطوائف جميعها ويعزز الوحدة الوطنيّة.

على خطٍّ موازٍ، يُتوقّع أن يواصل عون عمله على تعزيز العلاقات الدوليّة للبنان وجذب الدعم الماليّ والاقتصاديّ من الدول المانحة والمؤسّسات الدوليّة بهدف مساعدة البلاد على النهوض. ويُرتقب أيضًا أن يعمل على تحقيق الإصلاحات الاقتصاديّة الضروريّة لتحسين الأوضاع المعيشيّة للمواطنين وتقليل معدّلات الفقر والبطالة.

يُعتبر انتخاب عون رئيسًا للبنان خطوة مهمّة نحو تحقيق الاستقرار السياسيّ والأمنيّ والاقتصاديّ في البلاد ومعالجة القضايا والهواجس المسيحيّة. ويبقى التحدّي الأكبر هو إيجاد توازنٍ بين مختلف الأطراف وتحقيق النهوض الوطنيّ.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته